نقلة نوعية كبرى لريادة الأعمال في الجزائر
يُسجل تاريخ 29 جوان 2025 كتاريخ تاريخي بالنسبة للمنظومة الريادية الجزائرية. فنشر المرسوم التنفيذي رقم 25-170 في الجريدة الرسمية رقم 40 يفتح رسمياً المجال أمام الاستيراد المصغر للعاملين لحسابهم الخاص، إجراء قد يُحدث تحولاً جذرياً في مشهد التجارة الصغيرة في الجزائر.
يندرج هذا التنظيم الجديد ضمن استمرارية الدينامكية التي أطلقها القانون 22-23 المتعلق بوضعية العامل لحسابه الخاص، مما يُبرهن على إرادة السلطات العمومية لعصرنة الاقتصاد الوطني وتوفير بدائل قانونية للتجارة غير الرسمية.
ما هو الاستيراد المصغر؟ تعريف واضح
وفقاً للمادة الثانية من المرسوم، يُعرَّف الاستيراد المصغر بأنه “استيراد السلع بغرض إعادة بيعها في حالتها الأصلية، من طرف الأشخاص الطبيعيين، في حدود 1.800.000 دج لكل رحلة، بحد أقصى رحلتين شهرياً”.
يقدم هذا التعريف عدة توضيحات مهمة:
- السقف لكل رحلة: 1.8 مليون دينار جزائري
- التكرار المحدود: حد أقصى رحلتين شهرياً
- الهدف التجاري: إعادة البيع في الحالة الأصلية (بدون تحويل)
- استثناء مهم: المخصص السياحي السنوي غير مُدرج ضمن هذا السقف
تسمح هذه المقاربة بالتمييز بوضوح بين النشاط التجاري للاستيراد المصغر والسياحة التقليدية، متجنبة بذلك الالتباسات والتجاوزات المحتملة.
شروط الأهلية: إطار صارم لكن قابل للوصول
ملف المستورد المصغر
لممارسة هذا النشاط، يجب على المرشح استيفاء معايير دقيقة تضمن جدية المسعى:
الشروط الشخصية:
- الجنسية الجزائرية إجبارية
- بلوغ السن القانونية للعمل
- الإقامة الفعلية في الجزائر
شروط الحصرية:
- عدم ممارسة أي نشاط مأجور آخر (أجير، تجاري أو حر)
- التنازل عن الاستفادة من منحة البطالة
الالتزامات الإدارية والمالية:
- الانتساب إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لغير الأجراء
- فتح حساب بالعملة الصعبة لدى بنك الجزائر الخارجي
- الحصول على بطاقة العامل لحسابه الخاص المتخصصة “الاستيراد المصغر”
- ترخيص عام من وزارة التجارة الخارجية
تهدف بنية الأهلية هذه إلى إضفاء الطابع المهني على النشاط مع جعله في متناول المواطنين المتحفزين والمنظمين.
المزايا التنافسية: نظام مُفضل
يمنح المرسوم للمستوردين المصغرين مزايا جوهرية تجعل هذا النشاط جذاباً بشكل خاص:
التبسيطات الإدارية
- الإعفاء من التسجيل في السجل التجاري: توفير معتبر للوقت والمال
- الإعفاء من تراخيص الاستيراد المسبقة: تسهيل الإجراءات
- محاسبة مبسطة: المسك على سجل جبائي بسيط
المزايا الجبائية والجمركية
- رسم جمركي مخفض إلى 5%: معدل تفضيلي تنافسي جداً
- نظام جبائي خاص: متكيف مع طبيعة النشاط
تضع هذه الإجراءات المستوردين المصغرين في موقع مُفضل مقارنة بدوائر الاستيراد التقليدية، مع الحفاظ على إطار قانوني صارم.
الالتزامات والقيود: مسؤولية الفاعلين
التمويل والمطابقة
يفرض المرسوم قواعد صارمة لضمان شفافية وقانونية العمليات:
- التمويل الشخصي الحصري: استعمال العملة الصعبة الخاصة فقط
- احترام الحصة المرخصة: منع صريح للتجاوز
- التصريح المنتظم: كل استيراد يجب التصريح به عبر المنصة الرقمية لوزارة المؤسسات الناشئة
إمكانية التتبع والجودة
الوسم الإجباري يشمل:
- هوية المستورد المصغر
- تسمية دقيقة للبضائع
- منشأ المنتجات
- وصولات تسليم مبسطة (الكمية، الوزن، الحجم)
هناك مطلب خاص يتعلق بـمدة الاستهلاك: المنتجات المستوردة يجب أن تحتفظ بأكثر من نصف مدة استهلاكها المتبقية، مما يضمن الجودة للمستهلكين النهائيين.
المنتجات المحظورة: إطار آمن
ينشئ التنظيم قائمة واضحة للاستثناءات:
- المنتجات المحظورة أو الحساسة
- المنتجات الصيدلانية
- السلع التي تتطلب تراخيص خاصة
- المنتجات المضرة بالأمن أو النظام العام أو الأخلاق
تحمي هذه المقاربة المستهلكين والمصلحة الوطنية معاً، مع تحديد مجال عمل المستوردين المصغرين بوضوح.
العقوبات: نظام رادع
ينص المرسوم على شطب من السجل الوطني للعاملين لحسابهم الخاص في حالة:
- التصريح الكاذب
- رفض التصريح المسبق
- انتهاك قواعد الأمن أو حماية المستهلك
- الاستعمال التعسفي لبطاقة العامل لحسابه الخاص
- عدم احترام أحكام المرسوم
تهدف هذه المقاربة الحازمة لكن العادلة إلى الحفاظ على سلامة النظام مع توفير فرص حقيقية للمقاولين المحترمين للقواعد.
الأثر الاقتصادي المتوقع: تحول في المنظور
إضفاء الطابع الرسمي على الاقتصاد غير الرسمي
يتعامل هذا الإطار التنظيمي الجديد مباشرة مع السوق غير الرسمية التي تمثل جزءاً كبيراً من الاقتصاد الجزائري. بتوفير وضعية قانونية جذابة، تشجع السلطات العمومية الانتقال نحو الاقتصاد الرسمي.
خلق فرص العمل وتنشيط التجارة
يمكن للاستيراد المصغر أن يولد:
- فرص عمل مباشرة للعاملين لحسابهم الخاص
- فرص عمل غير مباشرة في اللوجستيك والتوزيع
- تنويع العرض التجاري
- تعزيز المنافسة في قطاعات معينة
تداعيات على العملة الصعبة
يهدف الإطار الصارم للتمويل الشخصي بالعملة الصعبة إلى:
- التحكم في خروج رؤوس الأموال
- الحفاظ على توازن ميزان المدفوعات
- تشجيع الاستعمال القانوني لاحتياطيات الصرف الخاصة
التحديات والفرص: تحليل استشرافي
الفرص المتاحة
- وصول مُيسر للمنتجات الأجنبية للمستهلكين الجزائريين
- تطوير الروح المقاولاتية عند الشباب
- إنشاء دوائر تجارية مبتكرة
- تحسين التنافسية في قطاعات معينة
التحديات المطلوب رفعها
- تكوين ومرافقة المستوردين المصغرين الجدد
- إقامة فعلية للمنصات الرقمية للتصريح
- المراقبة والإشراف لتجنب الانحرافات
- التنسيق بين مختلف الوزارات المعنية
نصائح عملية للمرشحين المستوردين المصغرين
قبل البداية
- قيّم أهليتك وفقاً لجميع المعايير المذكورة
- حضّر ملفك الإداري كاملاً
- افتح حسابك بالعملة الصعبة لدى بنك الجزائر الخارجي
- حدد مجالك التجاري مع احترام المنتجات المرخصة
الاستراتيجية التجارية
- ركز على منتجات عليها طلب محلي قوي
- احترم بدقة السقوف المرخصة
- طوّر زبائن أوفياء بفضل الجودة
- احتفظ بمحاسبة دقيقة حتى لو مبسطة
الخلاصة: فصل جديد لريادة الأعمال الجزائرية
يمثل المرسوم التنفيذي رقم 25-170 أكثر من مجرد إجراء تنظيمي بسيط. إنه يشكل إشارة سياسية قوية حقيقية لصالح ريادة الأعمال وعصرنة الاقتصاد الجزائري.
بتوفير إطار قانوني واضح، ومزايا جوهرية والتزامات متوازنة، يفتح هذا التنظيم الطريق أمام جيل جديد من المقاولين الجزائريين. كما قد يساهم بشكل كبير في تقليل التجارة غير الرسمية وتنويع الاقتصاد الوطني.
يعتمد نجاح هذا الإجراء إلى حد كبير على تطبيقه الفعلي، وتكوين المستفيدين وقدرة المؤسسات على مرافقة هذا التحول. الأشهر القادمة ستكون حاسمة لتقييم الأثر الحقيقي لهذا الابتكار التنظيمي على المنظومة الريادية الجزائرية.
بالنسبة للمقاولين المحتملين، هذه فرصة تاريخية يجب اغتنامها بالتحضير والجدية واحترام القواعد المؤسسة. مستقبل الاستيراد المصغر في الجزائر يُبنى اليوم، مع هذا المرسوم كحجر أساس لحقبة تجارية جديدة.
يشكل هذا المقال تحليلاً للمرسوم التنفيذي رقم 25-170 المؤرخ في 28 جوان 2025. لأي إجراء رسمي، يُنصح بالاطلاع على النص الكامل المنشور في الجريدة الرسمية والتوجه إلى السلطات المختصة.
رابط تحميل الجريدة الرسمية : https://www.joradp.dz/FTP/jo-arabe/2025/A2025040.pdf